((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ))
الحمدُ للهِ الأولِ بلا ابتداء، والآخِرِ بلا انتهاء، رَفَعَ بالعلم أقوامًا، ووَضَعَ بالجهلِ آخرين، وجَعَلَ من نورِ المعرفة سراجًا يهدي به الحائرين، والصلاةُ والسلامُ على الهادي الأمين، أبي الزهراء محمد وعلى آله الطيبينَ الطاهرين، وصَحْبِهِ الغُرِّ الميامين، ومن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:
وفد وزارة العليم العالي والبحث العلمي الموقر
السادة رؤساء الجامعات المحترمون .. السادة عمداء الكليات المحترمون
السادة أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة وموظفيها الكرام وطلبة الأعزاء
ضيوفنا الأكارم الذين تزينت الجامعة بمقدمهم الكريم
الحاضرون جميعًا الذين يحتفون اليوم بيوم جامعتنا الأغرّ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في الخامسِ والعشرين من نيسان، تحتفلُ جامعةُ بابلَ كلَّ عام بذكرى تأسيسِها، ونحتفلُ معها بتاريخٍ عريقٍ يمتدُّ إلى آلاف السنين، حيث نستلهمُ من أمجادِ مدينةِ بابلَ الأثريةِ روحَ السبقِ والعطاءِ والإبداع، فبابل التي خطّتْ أولى صفحات الحضارةِ الإنسانية، ما تزالُ تنبضُ بالحياةِ بجامعتِها التي تمثلُ امتدادًا لذلك المجدِ العظيم.
كانت جامعةُ بابلَ وستبقى صرحَ العلمِ الوثيقِ، ومنارةَ المعرفةِ السامقة، وهي تحثُّ الخطى دومًا إلى تحقيقِ التميُّز الأكاديمي، وغرسِ قيم البحث والمعرفة، وهي اليومَ تواصلُ مسيرتَها المضيئةَ بفضلِ جهود منتسبيها الأجلاءِ الذين حَمَلوا على عاتقِهم بناءَ أجيالٍ واعيةٍ ومبدعة، وأسهموا في رفعةِ الجامعةِ حتى أصبحتْ تحتلُّ مراكزَ مرموقةً في التصنيفاتِ العالميّةِ والمحليّةِ، وهو فخرٌ لكل عراقيّ يؤمنُ بالعلمِ طريقًا للنهوضِ والارتقاء.
لقد حَمَلَ علماءُ جامعةِ بابلَ على عاتقِهِم أمانةَ الكلمة، ومسؤوليةَ التنوير، فكانوا مناراتٍ تهدي، وعقولًا تبني، وقلوبًا تخشى اللهَ فيما تَعْلَم وتُعَلِّم. وفي ظل هذا الدورِ العظيم، تأتي المؤسساتُ التعليميةُ حصونًا للمعرفة، تصنعُ الأملَ، وتغرسُ القيمَ، وتؤسِّسُ لنهضةٍ ترتكزُ على الفهمِ والعقلِ. فكلُّ مدرسةٍ، وكلُّ جامعةٍ، وكلُّ معهدٍ، هو لَبِنةٌ في بناءِ الوطن، وسفينةٌ في بحرِ التطوُّر، تمخُرُ عُبَابَهُ بإرادةِ طلبةِ العلمِ المتطلعين وروّادِهِ المخلصين.
أيها الحضورُ الكريم:
نقفُ اليوم لنستعرضَ معًا ما تزخَرُ به جامعتُنا من أجنحةٍ علميةٍ وإداريةٍ رائدةٍ وكلياتٍ رصينةٍ، ومراكزَ بحثيةٍ متخصصةٍ، لكلّ منها رسالتُها في بناء مجتمعٍ علميٍ متكاملٍ، ولكل قياديّ أو أستاذٍ أو موظفٍ فيها أثرٌ لا يُنسى في مسيرة المعرفة والتنمية.
إذ تطيرُ جامعةُ بابلَ نحوَ علياءِ المجدِ بجناحَينِ قويينِ لا يعرفانِ الكَلَلَ ولا المَلَلَ، يتمثَّلُ الأولُ بــ (دائرةِ المساعدِ العلميِّ)؛ فهي البوصلةُ التي توجِّهُ سفينةَ العِلْمِ، وتُتابِعُ خُطَى الباحثين، وتضبِطُ نبضَ المحاضراتِ والبحوثِ، لتبقى الجامعةُ في صدارة الإنتاج والمعرفة.
ويتمثل الجناحُ الثاني بـ (دائرةِ المساعدِ الإداريّ) فهي عِمَادُ النظام، وركيزةُ التنظيم، تُواصِلُ العملَ، وتَحُثُّ الخُطَى؛ لتظلَّ الجامعةُ بيتاً قائماً على الانضباطِ والإتقان.
وفي الوقتِ الذي تتجلى فيه كليتا الطب وطب حمورابي منارتينِ للعلم والرحمة، يتخرَّجُ منهما الأطباءُ الذين يحملون أرواحَ الناس أمانةً بين أيديهم، تجدُ كليةَ طب الأسنان تزيّن الابتسامة بالعلم، وتزرع الصحةَ في تفاصيل الحياة.
وبينما تُركِّبُ كليةُ الصيدلة الأدويةَ وتُدرّسُ المركّبات، لتبنيَ العلاقةَ بين العلمِ وشفاءِ الإنسان، تسعى كلية التمريض لأن تكون نبضَ الرحمةِ الذي يرافق المرضى، وذراعَ العطاء التي لا تتعب، ولأنّ العقلَ السليمَ في الجسمِ السليمِ ترى كليةَ التربية البدنية وعلوم الرياضة، حاضرةً لتحقيق هذه الغاية، إذ يُصاغُ الجسد تربيةً وقوة، ويُدرَّبُ العقلُ على المثابرةِ والانضباط.
وفي ميدان علميّ آخرَ تُشيّدُ كليةُ الهندسة المعارفَ كما تُشيَّد الأبنيةَ، وتُبدعُ في تحويلِ الأفكار إلى واقعٍ ملموس، تَسْندُها في ذلك كلية هندسة المواد التي تُصوغُ موادَ بناءِ المعرفة، وتُعيدُ صياغةَ المستقبلِ بصلابةِ العلم، وتُكْملُ هذا العطاءَ كليةُ هندسة المسيب التي ترفُدُ الحياةَ بالطاقةِ وتَسيرُ بها نحوَ التنميةِ الشاملة، ولا يتحقَّقُ كلُّ ذلك من دون فاعليةِ عقلِ الجامعة الرقمي، ومصدرِ ابتكارها في عصر البيانات الذي توفّره لها كلية تكنولوجيا المعلومات.
وللعلومِ على نحو العموم كليةٌ، تراها أساسَ البحث العلمي، ومرآةَ الحقيقةِ التجريبية، ولعلوم البنات على نحو الخصوص كليةٌ أخرى، تشجّع طالباتِها على الريادةِ في البحثِ والمعرفةِ، وتُنَمّي عقولًا تسابقُ الزمن.
وحين تسعى كليةُ القانون لضمان تحقيق العدالة، إذ يُصاغ فيها صوتُ الحقِّ وتُرسُم ملامحُ الدولةِ العادلة، تجدُ أن كليةَ الإدارة والاقتصاد توظّفُ القوانين حتى تكونَ عقل السوقِ النابض، إذ يُصنع القرارُ الاقتصاديُّ وتُهندَسُ الخططَ الماليةَ، لضمان رفاهية الإنسان، ولا ريب أن يكونَ ذلك كله محكومًا بالإيمانِ باللهِ تعالى والسيرِ في ضوءِ هدي كتابه الكريم ونبيّهِ العظيمِ وعترتهِ الهُداة المعصومينَ بخطابٍ دينيٍ متسامحٍ ترنو إلى إشاعتهِ دومًا كليةُ العلوم الإسلامية.
وتنبري حينئذ كليةُ التربية للعلوم الإنسانية لتبنيَ الإنسانَ فكرًا ووجدانًا، وتحفظَ الهويةَ الثقافيةَ للمجتمع، بعد أن تزرعَ كلية التربية الأساسية بذورَ العلم في عقول أبنائِنا، وتَعُدَّ جيلًا يعرفُ كيف يتعلم، تسندهما في تلك المهامِ العظيمةِ كليةُ التربية للعلوم الصرفة فهي ميدانٌ واسعٌ من التجربةِ والدقةِ، تُدرّبُ العقولَ على السؤال وتحثُّها على الاكتشاف.
وفي الوقت الذي ترسُم كليةُ الفنون الجميلة الحياةَ بريشتِها التي تلوّنُ أطيافَ المجتمع، وتنثُرُ الجمالَ في زواياه، تكونُ كليةُ الآداب الذاكرةَ الحيةَ لذلك المجتمع، تَسْردُ حكايتِهِ وتُحلّلُ واقعَهُ بحكمةِ الفكر الإنساني، وتغدو منبرَهُ الإعلاميَّ الذي يُطِلُّ على الآخر.
ولا غنى في هذه المسيرةِ المشرقةِ عن جهودِ مراكز جامعتِنا البحثيةِ التي ترفُدُ كلياتِها، وتسابِقُها في تحقيقِ الريادة، ففي مركز أبحاث الحمض النووي تُفكَكُ أسرارُ الخلية، وتُكتبُ حروفُ الحياة في شيفرة جينيةٍ تبوحُ بما خَفِيَ من الحقائقِ، خدمةً للعلم والإنسان، وفي مركز البحوث والدراسات البيئية عينٌ راصدةٌ للطبيعة، ويدٌ تمتدُّ لشفاءِ الأرض، حيث تتلاقى البحوثُ بالضمير البيئي، لبناءِ غدٍ أكثرَ نقاءً، وما يزالُ مركز بابل للدراسات الحضارية والتاريخية نبضًا الماضي بين أوراقِ الحاضرِ، يحكي مجدَ بابل بحروفٍ من نور، ويحفظُ مناراتِ الحضارةِ من الضياع.
وبينما يتجلى مركز الحاسبة الألكترونية عقلًا رقميًا يُدير نبضَ الجامعة، حيث تنسجمُ الأسلاكُ مع الفكر، وتصنعُ البرمجيات جسوراً نحو المستقبل، يغدو مركزُ التعليم المستمر منارةَ علم لا تنطفئ، تسكبُ ضوءَها في دروبِ العقول، فترتقي المهاراتُ، ويزهرُ العطاءُ مدى الحياة، ويضمن مركزُ اللغة الإنجليزية (التوفل) وجودَ جسرٍ لغويّ إلى العالَم، تُصقل فيه الألسنُ، وتُفتح نوافذُ جديدةٌ للتواصل والفكر والمعرفة، يرفد هذه الجهود والمهام مركزُ الوسائط المتعددة، فهو عدَسةٌ تروي الحكايةَ، وصوتٌ يوثّقُ اللحظةَ، وفنٌّ رقميٌّ يُخلّدُ إنجازاتِ جامعةِ بابلَ بمهارةٍ وإبداع ، ولا يُكتَبُ للنجاحِ اسمٌ ولا للإبداعِ وجودٌ ما لم تكن تشكيلاتُ الجامعةِ وأقسامُها الإداريةُ والفنيةُ والهندسيةُ والأمنيةُ والخدميةُ بجناحيها العلميّ والإداريّ حاضرةً ببصمتِها المعهودةِ وأثرِها الكبيرِ في تحقيقِ الرفعةِ والتقدمِ لجامعتِنا العزيزة.
السيداتُ والسادةُ الأعزاء:
إن ما تحقَّقَ عبر أربعة وثلاثين عامًا من العطاءِ والارتقاءِ في جامعتِنا العريقةِ بابل، إنما هو ثمرةُ تظافرِ الجميع، وإحساسِهِم العلميّ والإداريّ العالي بأن تكونَ جامعتُنا في ذرى المجد دومًا، وسنظلُّ نعملُ بعزمٍ وثباتٍ نحو مستقبلٍ أكثرَ إشراقًا، ننفتحُ فيه على العالَم، ونغرسُ في طلبتِنا روحَ الريادةِ والانتماء، ليكونوا سفراءَ العلمِ وروادَ الفكرِ وقادةَ المعرفة.
ويُسعدني قبل الختامِ أن أذكرَ بإكبارٍ وإجلالٍ الدعمَ الكبيرَ الذي تحظى به جامعةُ بابلَ من قبل وزارةِ التعليمِ العالي والبحثِ العلمي، بتشكيلاتِها كافة، ولا سيما ما يحيطُها به معالي الوزير الدكتور نعيم العبودي المحترم من عنايةٍ خاصةٍ وإشادةٍ جادةٍ بعطائِها وريادتِها، مما يحثُنا على بذلِ المزيد من الجهودِ من أجل السير بها نحوَ كلّ ارتقاء.
ختامًا، أتوجّهُ بخالصِ الشكر والتقدير لكل من أسهمَ في بناءِ هذه المؤسسة، ولكل من يعملُ في خدمتها، أساتذةً، موظفينَ، وطلبةً. وكلَّ عامٍ وجامعتُنا الحبيبةُ بألف خير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.