حذر استاذ التغيرات المناخية في جامعة بابل الأستاذ الدكتور قصي فاضل الحسيني،من الأبعاد المعقدة لأزمة المياه في العراق في ظل التحديات المناخية المتصاعدة والسياسات المائية غير المتوازنة لدول الجوار المتشاطئة،ولم تعد هذه الأزمة (مجرد تحدٍ بيئي) بل باتت تهديدًا مباشرًا للأمن القومي للبلاد وتتطلب حلولاً عاجلة وشاملة.واوضح الدكتور الحسيني أن مصادر المياه في العراق التي تعتمد بشكل أساسي على نهري دجلة والفرات،تواجه ضغوطًا كثيرة،سيما وان العراق ضمن الدول الخمس الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية عالميًا،مما يجعله عرضة للجفاف وارتفاع درجات الحرارة وقد تفاقمت هذه المشكلة بسبب سياسات دول المنبع،خاصةً أن قطاع الزراعة يستحوذ على أكثر من 80% من الموارد المائية المتاحة،بينما يستهلك الشرب والاستخدامات المنزلية والصناعية 20% فقط.
وأكد أن سياسات دول المنبع وهي تركيا وإيران وسوريا تعد عاملاً حاسمًا في تفاقم الأزمة?فالمشاريع المائية الكبرى لتركيا،مثل مشروع GAP الذي يضم سدودًا عملاقة على نهري الفرات ودجلة مثل (أتاتورك وإليسو) تقلل بشكل كبير من تدفق المياه إلى العراق،من جهة أخرى تساهم إيران في الأزمة عبر تحويل مجاري روافد حيوية مشتركة مثل نهري الكرخة والكارون،مما يؤثر على تدفق المياه إلى شط العرب،أما سوريا فتتحكم بجزء من مياه نهر الفرات عبر سدود مثل سد الطبقة،على الرغم من تأثيرها الأقل مقارنة بتركيا وإيران.وعلى الصعيد الدبلوماسي اشار الدكتور الحسيني إلى أن العراق (لا يمتلك اتفاقيات دولية شاملة وملزمة مع دول الجوار لتنظيم تقاسم المياه) حيث تقتصر الاتفاقيات الموجودة على (تفاهمات أو مذكرات) غير ملزمة وهناك نقطة قانونية مهمة تبرز في رفض تركيا الاعتراف بنهري دجلة والفرات على أنهما (أنهار دولية) وتصنفهما على أنهما (مياه عابرة للحدود) مما يضعف موقف العراق التفاوضي ويمنع الوصول إلى اتفاق شامل يتماشى مع القانون الدولي للمياه.
وحذّر الحسيني من أن آثار الأزمة المائية لا تقتصر على البيئة فحسب،بل تمتد لتشمل الأمن الاقتصادي،الاجتماعي،وحتى السياسي،فالأزمة ستؤدي إلى تقليص المساحات الزراعية وتهديد الأمن الغذائي،فضلاً عن خسائر فادحة في الإنتاج الزراعي والصناعي،كما تؤدي ندرة المياه إلى ما يعرف بـ (النزوح المناخي) حيث يهاجر السكان من الأرياف إلى المدن،مما يزيد الضغط على البنية التحتية والخدمات.
قدم الدكتور الحسيني مجموعة من الحلول التي تتطلب جهدًا داخليًا وخارجيًا،فعلى الصعيد الداخلي دعا إلى اهمية تطبيق تقنيات الري الحديثة مثل الرش والتنقيط،ومعالجة مياه الصرف الصحي،وبناء السدود والخزانات لتجميع مياه الأمطار في الشمال،واستثمار المياه الجوفية،فضلا عن إطلاق حملات إعلامية وتعليمية لترشيد استهلاك المياه،وإعداد استراتيجية وطنية شاملة للموارد المائية.اما على الصعيد الخارجي اكد على اهمية التفاوض الجاد مع تركيا وإيران للوصول إلى اتفاقيات عادلة،واللجوء إلى المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة لحل النزاعات المائية،واستخدام العلاقات الاقتصادية والسياسية كورقة ضغط للحصول على حقوق العراق المائية.واختتم الدكتور قصي الحسيني حديثه بالتأكيد على أن مستقبل الأمن المائي في العراق مرتبط بشكل مباشر (بإصلاحات داخلية جذرية بالتوازي مع دبلوماسية خارجية قوية وفعّالة) فملف المياه لم يعد مجرد قضية فنية أو بيئية،بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من الأمن القومي للبلاد.
تاكات المحتوى: أكاديمي متخصص يحذر من الأبعاد المعقدة لأزمة المياه في العراق
لاي اسئلة او استفسارات, يمكنكم الاتصال بالكاتب عبر البريد الالكتروني: wissam.almaamouri9@uobabylon.edu.iq